بقيه مسرحيه الزوج والزوجه
الزوجة: والحياة..
الزوج: أي حياة.
الزوجة: حياتنا.
الزوج: حياة بلا مستقبل ولا طعم لها.. أنها أقرب إلى الموت.. دعيني أخبرك بشيء فظيع.. في السنة الأولى من الأسر.. انتظرت الحياة.. وانتظرت الأمل.. الحياة أن أحصل على الحرية.. والأمل أن استلم رسالة منك..
الزوجة: ولكني حاولت.. أقسم بحبنا أنني حاولت.. ولكن لا أحد يعرف أين كنت.
الزوج: حي أو ميت.. هذه حقيقة.. حتى أنا لم أكن أعلم بأي شيء.. يتساوى عندي الليل.. والنهار.. الصبح والمساء.. الصيف والشتاء.. وارتبطت بواقعي.. ولكن (صمت) دعينا الآن مما مضى.. ما أتمناه حقا.. أن تخففي من طرح أسئلتك.. لا تنبشي في ذاكرتي.. فعندما تنبشين الماضي.. أكره الحاضر.
الزوجة: ولكن عليك أن تجتاز الماضي.. أن تلقي بالماضي خلف ظهرك.
الزوج: كلام إنشائي جميل.. لكن الواقع بخلاف هذا.. الماضي يا حبة القلب ممزوج بدمي.. مرسوم فوق شغاف القلب.. الماضي.. أنا وأنت والأولاد.. والأسر.. والمعاناة..
الزوجة: ها أنت تعود لتكرر نفس الأسطوانة.
الزوج: سمها ما شئت.. اسطوانة.. حكاية لا تنتهي.. هذيان.. جنون.. لا تهم الأسماء.. ولكني فقدت كل ما يربطني بذاتي.. هل تعرفين معنى موت الذات.. هل تعرفين الموت البطيء.. داخل زنزانة انفرادية. لأنك ترفض العودة إلى أرض الوطن.. ترفض أن تتحول إلى عين لأعداء الوطن آه يا حبة القلب..
الزوجة: ولكن الإنسان القوي يقلب كل الصفحات.. ويبدأ من جديد.
الزوج: أي جديد.. الاغتراب الآن أوحش.. بالأمس حاولت أن احضن ابنتي.. أن أطبع على خدها قبلة.. جفلت.. شعرت بأني غريب.. وبأن هذا ليس حقي..
الزوجة: إنها لا تعي..
الزوج: لا تعي في مثل هذا العمر!! متى تعي إذا?
الزوجة: (صامتة)
الزوج: من حقها أن تهرب.. أو حتى أن تشمئز.. فمن أنا.. أنا ذلك المجهول.. الأب الغائب.. انظري إلى هذه التجاعيد.. دليل الموت والفناء لي..
الزوجة: أنت متشائم جدا..
الزوج: وأنت.
الزوجة: أنا.. أنا.. أنا (صمت)
الزوج: عندما تعجزين عن مواصلة الحديث تلجئين إلى الصمت..
الزوجة: إن صمتي ليس دليل العجز.
الزوج: ومن قال هذا? يا حبة القلب.. الشكوى لا تجدي.. ومنطق السنوات الطوال.. منطق هش من وجهة نظرك.. ولكن ماذا بمقدوري أن أفعل.. أنا الآن في انتظار الرحلة الأبدية.. رحلة الخلود.
الزوجة: ها أنت تزداد تشاؤما..
الزوج: دعينا مما أنا فيه.. المهم أنتم..
الزوجة: نحن بخير في وجودك.. الحياة هكذا تستمر بحلوها ومرها.
الزوج: لم نرتشف سوى المرارة.. مرارة الاعتقال والأسر.. مرارة الابتعاد عمن نحب.. آه.. يا حبة القلب.. هل تعرفين فيما أفكر.. الآن.. في هذه اللحظة.. أفكر في الرحيل.
الزوجة: الانتحار جبن..
الزوج: والحياة بلا معنى جبن آخر..
الزوجة: الحياة أجمل من..
الزوج: من ماذا..
الزوجة: من...
الزوج: ها أنت تعجزين عن إعطاء معنى للحياة.. أو طعم للحياة..
الزوجة: ولكني أحبك..
الزوج: حبك يبدد ظلمات حياتي..
الزوجة: ألا يكفي هذا..
الزوج: بلى..
الزوجة: إذا لماذا التذمر?
الزوج: من ذاتي.. أشعر أن أقيدكم.. سنوات الغربة.. ووحشة الذات.. أكلت كل الصفحات البيضاء من حياتي.. الآن.. أسأل أين الزملاء.. لا أحد.. أنا غريب عن بيتي.. عن أهلي..
الزوجة: أنت واهم..
الزوج: ليتني أكون واهما.. بالأمس القريب خطوت خارج هذا السجن..
الزوجة: أتسمي بيتنا سجنا..
الزوج: مجاز..
الزوجة: أنا لا أعرف الفلسفة..
الزوج: ولا أنا.. ولكن الحياة علمتني أشياء وأشياء لم أكن أعرفها..
الزوجة: ولماذا لم أتعلم مثلك.
الزوج: أنت تعلمت ما هو أكبر من كل الأشياء..
الزوجة: ماذا.
الزوج: الصبر.. وأنا تعلمت الصمت.. أنت يا حبة القلب.. زرعت ولم تجني شيئا..
الزوجة: لدينا أولاد.. يكملون رسالتنا..
الزوج: (يضحك)
الزوجة: لماذا تضحك..?
الزوج: أية رسالة.. غدا أو بعد غد.. تدق من جديد أجراس الحرب.
الزوجة: وكأنما الحرب لم تنته بعد..
الزوج: غدا يحمل الصغار أكفانهم.. ويهتفون للزعيم.. ينطلقون مرة أخرى.. وهم يرددون شعارات لا يعرفون معناها.. يدفعون أحلى سنوات العمر.. من أجل لا شيء..
الزوجة: إلى متى..
الزوج: سؤال لم يستطع أحد الإجابة عليه..
الزوجة: لماذا?
الزوج: لأن الميت لا يستطيع الرد على الأسئلة.
(يخطو الزوج بخطوات مثقلة خارج المنزل.. تتطلع الزوجة إلى زوجها ثم ترتمي فوق احد المقاعد.. وتجهش بالبكاء..)
ستار
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصدر: مجلة نزوى/ فصلية/ العدد الرابع والثلاثون أبريل 2003